كرسي اللامكان واللازمان
غرفة المعيشة في بيتنا لم تكن يوماً جميلة كما أرى في صور الناس، الغرفة نظيفة وعملية لكن ليست جميلة، هناك طاولة طعام وكراسي حولها، في الماضي كان هناك خزانة للتلفاز وأمامها كرسيان من البلاستك أبيض اللون وبظهر عالي، كان أحدهما كرسي أبي رحمه الله والثاني يستخدمه أي شخص وإن جاء آخرون فالجلوس على الأرض هو في الغالب اختيارهم، كانت هناك وسائد وجلسة أرضية من النوع القديم.
أختي حاولت إقناع أبي بالتخلي عن الكرسي البلاستك بلا فائدة، أذكر أنها اشترت كرسياً جيداً من إيكيا وبعد تجربته ليوم أو يومين عاد أبي للكرسي البلاستك لأنه مريح، أختي جربت مرة أخرى مع كرسي آخر من إيكيا وتكرر الأمر، وفعلاً كان الكرسي البلاستك مريحاً وعملياً ورخيص السعر، كونه مصنوع من البلاستك لا يجعله أقل شأناً من أي كرسي آخر، وظيفة الكرسي هي تقديم مكان مريح للجلوس لوقت طويل وقد كان يقدم ذلك لأبي، بعد وفاة أبي رحمه الله بقي الكرسي لفترة ثم أزيل مع تغيير الأثاث وترتيبه.
منذ ذلك الوقت وأنا أود معرفة المزيد عن الكرسي البلاستك، من أين أتى؟ من صممه؟ لا شك لدي أنك جلست على كرسي مصنوع من البلاستك مرة على الأقل في حياتك، هذه الكراسي تبدو وكأنها موجودة في كل مكان ومع ذلك لا تلاحظها إلا إن أردت استخدامها أو البحث عنها لتصورها كما يفعل البعض.
التاريخ
قبل أن نبدأ مع التاريخ لا بد من تعريف الكرسي، فهو مصنوع من البلاستك ومن قطعة واحدة، عملية تصنيعه تتطلب خطوة واحدة فقط، ولذلك هذه الكراسي تسمى بالإنجليزية Monobloc أو مونوبلك، مونو تعني واحد أو أحادي، وبلوك هي كلمة Block لكن بدون حرف كاي، وتعني قطعة، فيمكن أن نقول بأن ترجمة الكلمة هي: قطعة واحدة.
هناك كراسي صنعت من قطعة واحدة خشبية أو معدنية لكن هذا المقال سيركز فقط على كراسي البلاستك، ومن تاريخ الكرسي ستجد أن العديد من الناس صنعوه واحتاج لتطور تقنيات التصنيع حتى يصل إلى الكرسي الذي نعرفه والذي يصنع بكميات كبيرة ليجعل سعره منخفضاً، قبل ذلك كان الكرسي البلاستك يصنع بأعداد قليلة وبعضها كانت كراسي مصممين، أي أنها كراسي تباع بأسعار مرتفعة.
هذا خط زمني مختصر لكراسي البلاستك من منتصف القرن العشرين إلى آخره:
1946 دوغلاس كولبورن سمبسون - Douglas Colborne Simpson، هناك القليل من المعلومات عن هذا الكرسي، ليس هناك شيء عن طريقة صنعه، هناك صفحة تقول بأن المصمم تعاون مع مهندس لصنع كرسي وطاولة وليس هناك نسخ منهما، والطاولة فقط ما زالت موجود لكن الكرسي لا يعرف مصيره.
1964 هلموت باتزنر Helmut Batzner صمم كرسي Bofinger Chair من ألياف الزجاج المدعمة بالبلاستك، عملية التصنيع تسمى Prepreg Compression Molding وهي تتطلب خمس دقائق لصنع كرسي واحد وبعد التصنيع يتطلب الكرسي قطع بعض الزوائد عن حوافه قبل أن يكون جاهزاً، هذا الكرسي لم يصل بعد للكرسي البلاستك المألوف اليوم لكنه يحوي كل المواصفات الضرورية له، مثل كونه مصنوع من قطعة واحدة وإمكانية تكديس عدد منها فوق بعضها البعض لكن عملية التصنيع المستخدمة له ليست حقن اللدائن وهي التقنية المستخدمة اليوم لصنع هذه الكراسي وأشياء كثيرة أخرى، حقن اللدائن يعني تكوين قالب مجوف وحقنه باللدائن أو البلاستك المذاب وعندما يبرد قليلاً يفتح القالب ليخرج منه كرسي، هذه العملية تتطلب تقريباً دقيقة وتحتاج لعدد قليل من العمال، عامل واحد يكفي لصنع العشرات من الكراسي في الساعة.
1965 جو كولومبو Joe Colombo صمم كرسي Universal Chair ولم يكن أحادي القطعة بل كانت قاعدة وظهر الكرسي تصنع من قطعة واخدة والأرجل تصنع منفصلة في قالب آخر، المصمم قال بأن كرسيه يمكن استخدامه في الداخل والخارج، لن ينكسر ويمكنه تحمل القطب الشمالي أو الصحراء، لكن لدي شك بأن هذا صحيح، أي بلاستك لن يستطيع البقاء تحت الشمس دون أن تأكله الشمس ببطء.
1968 فيرنر بانتون Verner Panton صمم كرسي بانتون Panton chair، أحد أكثر الكراسي تميزاً بتصميمه وألوانه، حتى لو لم تعرفه فلا شك أنك رأيته في مكان ما، الكرسي صمم في 1959 واحتاج لسنوات لكي يتقن صنعه، الكرسي صنع باستخدام أنواع مختلفة من البلاستك، في 1968 بدأ صنعه بأعداد كبيرة لكن البلاستك المستخدم بدأ بالتقادم والتحول لمادة هشة قابلة للكسر ذلك أوقفت صنعه شركة فترا (Vitra) لتعيد تصنيعه بعد أربع سنوات باستخدام نوع مختلف من البلاستك، ثم في 1999 تغير البلاستك المستخدم مرة أخرى. الكرسي يمكن تكديس عدد منه فوق بعضه البعض ويأتي بألوان زاهية، المصمم كان يرى اللون الأبيض بدونية ويراه مملاً، مع ذلك الكرسي طرح باللون الأبيض كذلك.
1983 مجموعة غروسفليكس Grosfillex Group، شركة فرنسية صنعت كرسي باسم Resin Garden Chair وقد كان هذا هو البداية الفعلية للكرسي البلاستك الرخيص، الكرسي في بدايته وصلت تكلفته إلى خمسين دولاراً ثم انخفضت إلى عشر دولار وتكلفت صنعه تصل لثلاث دولار فقط، هذا الكرسي نسخ حول العالم وصنعته شركات عديدة وغيرت تصميمه ليصبح شيئاً مألوفاً حول العالم، التفاصيل مختلفة لكن الغرض واحد: توفير كرسي رخيص السعر.